الســــــــــــــــــــــلام عليـــــــــــكم:
قصة جميل و جميلة
يحكى أن فتاة اسمها جميلة ، كانت تعيش مع جدتها بعد وفاة والديها. كانت جدتها تحبها حبا كثيراً، وتخشى دائماً أن يصيبها أي مكروهٍ ، لذلك لم تكن تسمح لها بالخروج واللعب مع الفتيات.
وكانت جميلة فتاة في غاية الجمال. وعندما كبرت ، خطبها جميل ابن عمها.
وكان في نفس القرية التي تعيش فيها جميلة، ست فتيات . لم يكـُن جميلات مثل جميلة ، ولذلك لم تكن واحدة منهن تحب جميلة. كانت الغيرة تأكل قلوبهن. وكـُن يحسدنها لأنها خـُطبت لابن عمها وأصبحت على وشك الزواج ، بينما لم يتقدم أحدٌ للزواج منهـُن. وكـُن يتصورن أن جميلة فتاة متكبرة ، لأنها لم تكن تلعب معهـُن ، وترفض الذهاب بصحبتهن إلى الغابة لجمع الحطب .
وتحت تأثير الغيرة والحسد ، ذهبت البنات الست ذات يوم إلى جدة جميلة ، وقـُلن لها : " اسمحي لجميلة أن تخرج معنا اليوم إلى الغابة لنجمع الحطب. إنها لم تخرج معنا من قبل، وقريبا ستتزوج ، ولن تستطيع أن تخرج معنا بعد الزواج".
قالت الجدة : " لابد أن أستأذن جد جميلة أولاً ".
وعندما نظر الجد إلى الفتيات ، قال للجدة : " إنهـُن لسن صغيرات، ويستطعن رعاية جميلة والعناية بها ، دعيها تذهب معهـُن".
لكن قلوب الفتيات الست لم تكن تحمل أي حب لجميلة.
وذهبت الفتيات إلى الغابة، وجمعن كمية كبيرة من الحطب.
وبعد الظهر بدأت رحلة العودة.
وفي أثناء الطريق ، توقفن عند نخلة عالية . كانت النخلة محملة بكثيرٍ من الثمرِ، بعضه تمر أحمر ، وبعضه بلح أخضر لا يصلح للأكل.
قالت إحدى الفتيات: " انظرن إلى ثمار هذه النخلة، يا له من تمرٍ حلوٍ ! كم أتمنى لو كان في استطاعتي تسلق هذه النخلة، لأحصل على بعض هذا التمرِ!"
وقالت فتاة أخرى: " إنه تمرٌ ممتازٌ ، ليتني أستطيع الصعود إليه".
وكررت بقية الفتيات نفس المعنى.
عندئذٍ قالت جميلة: " أنا أستطيع تسلق هذه النخلة. لقد اعتدت تسلق النخيل العالي خلف بيتنا. سأتسلق النخلة، لأحضر لكـُن بعض بلحها وتمرها".
وسرعان ما تسلقت جميلة النخلة، وأخذت تقطف البلح والرطب والتمر وتلقي به إلى صديقاتها، حتى ملأت الفتيات السلال... لكنهـُن اخترن أفضل التمرِ، ووضعنه في سلالهن ، بينما وضعن في سلة جميلة البلح الأخضر الذي لا يؤكل.
ثم نزلت جميلة ، وواصلت رحلة العودة مع الفتيات.
في أثناء الطريق وصلت الفتيات إلى بئر عميقة جداً ، يلتمع الماء في قاعها البعيد. وتطلعت إحدى الفتيات إلى الماء، وقالت:" هذه البئر تجلب الحظ الحسن.. إن أي فتاة تلقي حـُـليها فيها، تسعد في زواجها وحياتها".
عندئذٍ قالت بقية الفتيات:" هيا نلقي حـُـلينا في هذه البئر". ونزعت الفتيات حـُـليهن ، وتظاهرن بإلقائها في البئرِ. لكنهـُـن أخفين الحـُـلي ، وألقين بدلاً منها قطعاً من الأحجار. أما جميلة فقد ألقت في البئر عقدها وقرطها المصنوعين من الذهب ، وخلخالها المصنوع من الفضة.
***********************
واصلت الفتيات طريقهن، وفجأة قالت إحداهن: " لقد تعبت.. هيا نجلس لنستريح، ونأكل بعض ما معنا من تمرٍ وبلح ٍ ".
وعندما أخرجت جميلة بعض البلح من سلتها لتأكله، وجدت السلة مملوءة بالبلح الأخضر، الذي لا يصلح للأكل. وفهمت جميلة أن الفتيات لا يرحبن بصداقتها، وأنهن يسعين إلى مضايقتها. قالت في غيظٍ : " لماذا لم تتركن لي إلا البلح غير الناضج؟! لقد تسلقت النخلة من أجلكن، وكان من الواجب أن تعطينني أحسن التمرِ".
أجابتها الفتيات:" أنتي عندك نخل كثير خلف بيتكم ، أما نحن فليست عندنا أية أشجار أو نخيل".
وصمتت جميلة ولم ترد.. واستمرت الفتيات في سيرهن. ومع أن الشمس قد أوشكت على الغروب ، إلا أن إحدى الفتيات قالت: " هيا نتزين بما معنا من حـُـلي.."
وسرعان ما أخرجت كل فتاة حُــليها التي كانت تخفيها، وأخذت تتزين بها. أما جميلة، التي كانت قد ألقت بكل حـُـليها في البئر، فقد قالت معاتبة: " لماذا تعملن على إلحاق الأذى بي؟! لماذا تركتنني ألقي بكل ما معي من حُــلي ذهبية وفضية في البئر؟ ".
قالت البنات لها:" أنتي غنية ، وعند خطيبك جميل أموال طائلة ، وبعد الزواج، سيقدم إليك كل ما تحلمين به من ذهب وفضة".
عندئذٍ قالت واحدة من الفتيات لجميلة: " لماذا لا تعودين إلى البئر، وتستخرجين منه حُــليك ؟ ".
كانت الفتيات يعرفن أن هناك غولاً شريراً يذهب إلى البئر ، عندما يأتي الليل ، واذا شاهد أي شخص بالقرب منه، يأخذه ، ويحوله إلى غولاً متوحش مثله !!
ولم تكن جميلة تعرف شيئاً عن الغول، فعادت إلى البئر.
****************************
كان الليل قد أقبل، وحاولت جميلة أن تصل إلى حـُليها في قاع البئر ، لكنها لم تستطع. وأظلمت الدنيا، وأحست بالخوف. وفجأة سمعت صوتاً مخيفاً. وعندما التفتت خلفها ، ساهدت الغول!
قالت: " يا عم الغول .. لا تأكلني!"
قال الغول : " لماذا جئتي إلى هنا؟ "
قالت: " عقدي وقرطي وخلخالي سقطت في البئر " .
قال الغول: " اذا كان ذهبك في البئر، فهل تريدين أن أعيده إليكي؟ ".
قالت: " نعم.. إنني لا أستطيع العودة بغير ذهبي.. سيسخر مني كل الناس، لأن البنات خدعنني".
قال الغول: " إذن يجب أن تفعلي شيئاً لأجلي".
قالت جميلة: " ماذا تطلب يا عم الغول؟".
قال:" تأتين معي غداً في نزهة على ظهر حصاني".
قالت جميلة: " أنت طيب جداً إنني أحب ركوب الخيول".
عندئذٍ شرب الغول كل ماء البئر، وأخرج الحُــلي ، وأعطاها لجميلة،
ثم قال: " أين تسكنين؟" قالت:" في القرية المجاورة". عندئذٍ قطع الغول قطعة من جريد النخل ، وأعطاها لجميلة، وقال لها : " ضعي هذه الجريدة فوق بيتك حتى أعرفه. سأجئ إليكي غداً قبل أن تغرب الشمس بقليل، ونذهب للنزهة فوق حصاني الأسود".
قالت جميلة:" لن يتركك الناس تدخل بين بيوتهم!"
قال الغول: " سآتي في شكل أمير"
قالت جميلة:" إذن سأنتظرك" . ثم عادت مسرعة إلى بيتها.
وفي اليوم التالي، جعل الغول من نفسه أميراً وسيماً، وذهب إلى قرية جميلة على ظهر حصانه الأسود، وعرف بيتها من جريدة النخل، وناداها بصوتٍ هامس ٍ " جميلة.. جميلة ".
وكانت جدة جميلة نائمة، ولحرص جميلة على الوفاء بوعدها، خرجت بسرعة، وركبت الحصان خلف الغول فانطلق يجري بهما.
كان جميل خطيب جميلة قد ذهب يدعو أصدقاءه لحضور حفل زفافه ، وعاد إلى بيت جميلة عند غروب الشمس تماماً ، وسأل:
" أين جميلة ؟ " فقالت الجدة في قلق: " لا أعرف".
وانتظر جميل طويلاً ، وأقبل الليل ، وأظلمت الدنيا لكن جميلة لم تعد.
***************************
خرج جميل على حصانه يصف لكل من يقابله ملابس " جميلة " وملامحها وشعرها ، ثم يسأله: " هل رأيتها ؟ " وأخيراً قال له رجل عجوز: " نعم.. رأيتها تركب حصانا أسود، خلف أميرٍ وسيمٍ ".
واصل جميل طريقه يسأل كل من يقابله: " هل رأيت أميراً يركب مع جميلة الجميلات، حصاناً أسود؟". وكان الجواب الوحيد الذي يسمعه: " لا.. لم نر أحداً ".
قال جميل: " لن أعود قبل أن أجد جميلة. سأعثر عليها مهما كان المكان الذي ذهبت إليه".
وسافر إلى بلاد كثيرة، وقضى سنة كاملة يسأل الناس: " هل رأيتم أميراً يركب على حصانٍ أسودٍ ، ومعه فتاة جميلة اسمها جميلة؟ ".
لكن أحداً لم يكن قد رآهما حتى يدله على مكانها.
وذات مرة، قضى جميل طوال النهار مسافراً حتى جاء الليل، فشعر بإرهاق شديد. وكان ما معه من طعام وشراب قد نفد، فرقد عند جذع نخلة، وقال:" لقد تعبت. لم أعد أستطيع الاستمرار في البحث، سأموت هنا، ولن أجد جميلة أبداً".
وفجأة، رأى سيدة عجوزاً تقف بالقرب منه، وسألته: " من هي جميلة؟ " حدثني عنها" قال: " إنها فتاة جميلة..جميلة جداً". ثم أخذ يصفها ، ويخبرها بأمر الأمير الذي أخذها على ظهر حصانه الأسود.
قالت السيدة العجوز:" إنه ليس أميراً، إنه غولٌ، يجعل من نفسه أميراً في بعض الأحيان. ومنذ سنة مضت، حمل فتاة جميلة إلى منزله، الذي تراه هناك على قمة هذا التل المرتفع. قد تكون تلك الفتاة هي جميلة التي تبحث عنها. لقد رأيتها معه على ظهر حصانه الأسود، وهو في طريقه إلى بيته، ورأيت في وجهها علامة صغيرة تحت عينها اليمنى".
صاح جميل: " إنها هي..جميلة ! أرجو أن تساعديني يا خالة لكي أنقذها".
قالت العجوز: " الغول يظل مستيقظاً مدة شهر، ثم ينام طوال الشهر الذي يليه. ولم يتبق إلا ثلاثة أيام وينام الغول، ويبقى نائماً شهراً بأكمله. إن جميلة نائمة الآن، وستظل نائمة... إنه نومٌ غير طبيعي.. نومٌ مسحورٌ !! وقد أخذ شعرها ينمو وينمو، وأخذت أظافر أصابع يديها وقدميها تنمو وتنمو..
وعندما تستيقظ، ستصبح غولاً هي الأخرى، لكن اذا ذهبت إليها، وقصصت شعرها وأظافرها، ستستيقظ. وعندما ترى وجهك، سيزول عنها السحر، وتعود إليك كما كانت".
قال جميل:" وكيف أتأكد أن الغول نائماً ؟ ".
قالت العجوز: " الغول لا يكف عن الأكل طالما هو مستيقظ، لذلك ترى دخان النار التي يشوي عليها لحوم صيده يتصاعد عاليا فوق بيته. أما إذا نام، فلن ترى دخاناً، وستسمع صوت غطيطه المرتفع".
قال جميل: " لكن الغول قد يستيقظ، ويطاردنا، فماذا نفعل؟! ".
قالت السيدة العجوز: " اذا نام الغول لن يحس بك ولن يستيقظ، لكن قد يراك كلبه، لذلك يجب أن تقتل كلب الغول أولاً، وإلا فإنه سوف يوقظ الغول فيطاردك، واذا طاردك فقد يمسك بك. لكن لأنك تحب جميلة كل هذا الحب، ولأن جميلة طيبة القلب وتستحق منك كل هذا الحب، فإنني أعطيك هذه الأشياء الثلاثة".
وأعطت السيدة العجوز لجميل قطعة صغيرة من الخشب، وقطعة من الحجر، ووعاء صغيراً به ماء، وقالت: " إذا تبعك الغول، اقذف قطعة الخشب بينك وبينه، ثم قطعة الحجر، ثم آنية الماء. واهرب منه بأسرع ما تستطيع".
شكر جميل السيدة العجوز، وقال:
" سأحرص على تنفيذ نصائحك يا خالتي الطيبة".
***************************
بعد ثلاثة أيام، ركب جميل حصانه وصعد إلى قمة التل. وقبل أن يقترب كثيراً من بيت الغول، سمع غطيطاً عاليًا، كأنه صوت الرعد، فخاف جداً، لكنه لم يشاهد دخاناً، وتذكر كلام العجوز، فملأه الفرح، وعرف أن الغول نائم.
وصل جميل إلى بيت الغول، ودخل من الباب، فلم يقابل أحداً.
وتنقل من غرفة إلى غرفة، إلى أن وجد الغول نائماً في إحدى الغرف.
وظل يبحث إلى أن وجد جميلة نائمة هي الأخرى في غرفة ثانية، فقص شعرها وأظافرها. وفي الحال فتحت عينيها وصاحت :
" جميل.. أخيراً جئت لتنقذني!".
ومن شدة سعادتهما، نسي جميل أن يقتل كلب الغول، وأركب جميلة معه فوق حصانه، وأسرعا يبتعدان. لكن الكلب شاهدهما، فأخذ ينبح بشدة، ومع ذلك ظل الغول نائماً.
فانقض الكلب، وعض قدم الغول. هنا صرخ الغول في الكلب، والنعاس لا يزال يغالبه:
" ما هذا؟ لماذا تعض قدمي؟" . قال الكلب:
" هو..هو..ست البيت خطفوها".
وفي الحال استيقظ الغول!
*************************
قال جميل لجميلة:" انظري خلفك، واذا رأيتي شيئاً فأخبريني".
ولم تمضي لحظات حتى صاحت جميلة:
" أرى خلفنا شيئاًَ بعيداً جداً..شيئاً أسود، لكنه يقترب بسرعة".
وهتف جميل بحصانه:" أسرع، انطلق بأقصى سرعة..أسرع كالريح".
وبعد مسافة، سأل جميل جميلة: " هل ترين شيئاً ؟" قالت: " أرى الغول وكلبه يجري بجواره".
عندئذٍ رمى جميل قطعة الخشب الصغيرة بينه وبين الغول، فتحولت في الحال إلى غابة كثيفة.
وتقدم الغول إلى الغابة، وأخذ يقطع الأشجار بسيفه، ويلقيها على الجانبين بمساعدة كلبه، إلى أن شق لنفسه طريقاً بين الأشجار.
وعاد جميل يسأل جميلة: " هل ترين شيئاً ؟"
قالت:" نعم..أرى الغول يقترب منا بسرعة السهم وكلبه يلازمه".
عندئذٍ رمى جميل خلفه قطعة الحجر الصغيرة التي أعطتها له السيدة العجوز، فتحولت في الحال إلى سور ضخم، ارتفع بينه وبين الغول.
وعندما وصل الغول وكلبه إلى السور، وجداه عالياً جداً، فتعذر عليهما القفز فوقه أو تسلقه.
عندئذٍ أخذ الغول ينزع أحجار السور حجراً حجراً وكلبه يساعده، إلى أن أحدث ثغرة، استطاع أن ينفذ منها، ويواصل مطاردته لجميل وجميلة.
وللمرة الثالثة، عاد جميل يسأل جميلة:" هل هناك من يتبعنا؟".
صاحت جميلة:" أرى الغول وكلبه يسرع بجواره، وسرعتهما تزداد كأنهما الريح".
عندئذٍ ألقى جميل خلفه بإناء الماء. وفي الحال، ظهر بحرٌ عظيمٌ بينه وبين الغول.
وتوقف الغول على شاطئ البحر الواسع، وقال:" اذا كنت لا أستطيع عبور هذا البحر، فإنني أستطيع أن أشربه".
وبدأ الغول وكلبه يشربان ماء البحر. أخذا يشربان ويشربان. وكلما شربا، تدفق ماء جديد في مجرى البحر، من غير أن يتنبه الغول وكلبه إلى ذلك. وانتفخ بطن الغول، وظل ينتفخ. وانتفخ بطن كلب الغول..وظل ينتفخ وفجأة دوى صوتٌ هائلٌ عظيمٌ.. لقد انفجر بطن الكلب..ثم دوى صوت آخر، فقد انفجر بطن الغول أيضاً !!
******************************
وعاد جميل وجميلة إلى قريتهما سالمين. وعرف الناس جميعاً ما فعلته الفتيات الشريرات بجميلة، فلم يتقدم أحدٌ للزواج منهن. وأخيراً اضطررن إلى مغادرة القرية، والذهاب للعيش في قريةٍ أخرى، لكنهن أصبحن أكثر قبحاً وسوءاً، وأصبحت وجوههن في مثل قبح نفوسهن.
أما جميلة فقد تزوجت جميلاً، وظلت تزداد جمالاً على جمالها.