النظافة من الإيمان
جعل الإسلام النظافة أساس العبادة ومفتاحًا لها، وجعل طهارة الجسم التامة أساسًا لابد منه لكل صلاة، وجعل الصلاة واجبة خمس مرات كل يوم، وكلف المسلم بأن يتوضأ قبل الصلاة، وإذا أصابته جنابة فليغتسل فرضًا غسلاً كاملاً لصلاة الجمعة وصلاة العيدين والاغتسال للحج والعمرة كله سنة عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ففي الوضوء قال الله سبحانه وتعالى:
﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ﴾ [المائدة: 6].
وروى عن أبى مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد تملأن ما بين السماء والأرض.... والصدقة برهان والصبر ضياء.... والقرآن حجة لك أو عليك)...
ويحثنا الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرًا على الوضوء لأنه طريق الصلاة المفروضة والمسنونة حتى نقف بين يدي الله تعالى طاهرين.
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا توضأ الرجل المسلم خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه، فإن قعد قعد مغفوراً له).
والإسلام وهو يحث على ذلك يطلب من أبنائه أن يكونوا دائماً على هذا الحال من الطهارة حتى عندما يريدون أن يأووا إلى مضاجعهم ليستريحوا من تعب العمل طوال النهار.
فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم): إذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ على شِقِكَ الأيْمَنِ وَقُلِ: اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أمْرِي إِلَيْكَ، وَألجأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةَ وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لا ملجأ وَلا مَنْجَى مِنْكَ إِلاَّ إِليْكَ، آمَنْتُ بِكِتابِكَ الَّذي أنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذي أَرْسَلْتَ. فإنْ مِتَّ مِتَّ على الفِطْرَةِ، واجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تَقُولُ).
وقد بين عليه السلام أن أمته تعرف من بين الأمم على كثرتها بهذا النوع من النظافة وهذا الأثر من الطهارة فيقول صلى الله عليه وسلم: (إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء - فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل). يطيل غرته أي يكثر من أماكن جسمه التي يطالها الوضوء.
وأرشدنا إلى أن الوضوء فوق أنه طهارة ونظافة وتكفير للذنوب ومحو للخطايا فهو أرفع للدرجات".
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات. قالوا بلى يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط.. فذلك الرباط.. فذلكم الرباط).
وقد حث الإسلام على النظافة من بقايا الأكل فبعد أن ندب إلى الوضوء أمرنا بان يتخلص الإنسان من بقايا طعامه وروائحه وأثاره وهذا أتقى للمرء وأطيب.
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده ".
والوضوء بفتح الواو بمعنى الماء الذي يتوضأ به أما الوضوء بضم الواو فمعناه التطهير والاغتسال للصلاة من غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين إلى الكعبين.
وإذا علمنا أن ما يصيب الإنسان من بعض الأمراض يكون سببه عدم العناية بالفم وعدم المحافظة على الأسنان بترك بقايا الطعام بينها. أدركنا سر توجيه الرسول لأمته بأن يحرصوا على السواك ويلازموا استخدامه.... (...).
قال صلى الله عليه وسلم: (تسوكوا، فإن السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب، مَا جاءني جبريل إِلاَّ أوصاني بالسواك، حَتَّى لقد خشيت أَن يفرض عَلِيّ وعلى أمتي. ولولا أني أخاف أَن أشق عَلَى أمتي لفرضته لهم، وإني لأستاك حَتَّى لقد خشيت أَن أحفي مقادم فمي".
ومن احترام الإسلام للفرد والمجتمع أنه كره لمن أكل ثوماً أو بصلاً وكل ما له رائحة نفاذه غير طيبه أن يفد المسجد. فقد قال عليه الصلاة والسلام: " من أكل ثوما أو بصلاً فليعتزل مسجدنا " ذلك حتى لا يؤذى المسلمين برائحته الكريهة.
ويوصى الإسلام بأن يكون المرء نظيفًا في ملبسه وطاهرًا في ثوبه. وقد ألحق هذا الخلق بآداب الصلاة. قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ [الأعراف: 31].
ويوصى الإسلام بأن يكون المرء أنيقًا... فالأناقة بنظر الإسلام مرغوبة، والتجمل في غير إسراف – محمود، والثوب الطيب دليل طيب للابس فإنه مما أوصى الله به إلى رسوله الكريم الحث على التكبير بتطهير الثوب.
﴿ يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 1 - 4].
وروى عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً أشعث الرأس فقال (أما يجد هذا ما يسكن به شعره " ورأى آخر عليه ثياب وسخة فقال " أما يجد هذا ما يغسل به ثوبه).
ومن يفهم الدين على أنه يرضى على فوضى الملابس ويعد ذلك ضربًا من العبادة والزهد، يحرف الدين عن مواضعه ويلبس الحق بالباطل ويفتري على تعاليمه. والمسلم الذي يضم إلى نظافة باطنه نظافة جسده وجمال ملبسه فهم أهداف الإسلام وطبق تعاليمه وتخلق بأخلاقه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرَّةٍ من كبر، فقال رجل: إنه يعجبني أن يكون ثوبي حسناً ونعلي حسناً، فقال: إن اللّه يحب الجمال، ولكن الكِبْر مِنْ بَطَرَ الحق، وغَمَص الناس).
وفي رواية أخرى( يَا رَسُولَ الله إنّي رَجُلٌ حُبّبَ إلَيّ الْجَمَالُ وَأُعْطِيتُ مِنْهُ مَا تَرَاهُ حَتّى ما أحِبّ أنْ يَفُوقَنِي أحَدٌ - إمّا قالَ - بِشِرَاكٍ نعْلِي - وَإِمّا قالَ - بِشِسْعِ نَعْلِي أفَمِنَ الْكِبْرِ ذَلِكَ؟ قالَ لاَ وَلَكِنّ الْكِبْرَ مَنْ بَطَرَ الْحَقّ وَغَمِطَ النّاسَ).
وقد امتد هذا التجميل من أشخاص المسلمين إلى بيوتهم وطرقاتهم.
وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله تعالى طيب يحب الطيب. نظيف يحب النظافة.كريم يحب الكرم. جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود ".
والإسلام وهو يأمر بذلك يقصد إلى تخلية البيوت والشوارع من القمامات التي تنبعث منها رائحة غير طيبة وتكون مصدرًا للعلل وانتشار الأمراض والعدوى.
فلنحافظ على نظافتنا ولنحافظ على صحتنا ولنحافظ على حياتنا من الوهن والضعف.
من هدى الإسلام في المحافظة على الفم والأسنان:
يحرص الإسلام على صحة الإنسان وسلامته من الأمراض، لان الجسم السليم هو مناط القيام بالكثير من التكاليف الشرعية كالصوم والحج والجهاد وغيرها من التشريعات.
ونستطيع أن نلتمس ذلك من خلال التوجيهات النبوية التي تتضمن وقاية من اتبعها من العديد من الأمراض والأسقام. ومن ضمن هذه التوجيهات تلك، سنتحدث عنها في موضوعنا هذا والخاصة بنظافة الفم والأسنان وأهميته ذلك بالنسبة للإنسان المسلم. فالمحافظة على الأسنان هي من أهم علامات المحافظة على الصحة وخاصة صحة الجهاز الهضمي فالأسنان القوية السليمة بمضغ الطعام وطحنه ومزجه باللعاب يساعد على سهولة هضم قدر كبير من المواد النشوية بما في اللعاب من أنزيمات هاضمة.
وكم رأينا مرضى بمشاكل سوء الهضم، وإذا نظرت إلى أفواههم وجدتها خاليه من الأسنان وهذا هو السبب في عسر الهضم.
لذلك كانت المحافظة على الأسنان من أهم العوامل المساعدة للمحافظة على صحة الجهاز الهضمي.
وقد أرشدنا رسولنا صلى الله عليه وسلم إلى غسل الفم عند:
• القيام من النوم.
• عند كل وضوء
• قبل الأكل وبعده.
وذلك لأن الفم عرضة لمجموعة كبيرة من الجراثيم، أكثر ما يناوله الإنسان من طعام وشراب ويشمه من هواء. كل ذلك مفعم بكثير من الجراثيم.
والأسنان بلونها وانتظام رتلها من أهم أسباب الجمال في الفم وهي كذلك بمكانتها وسلامتها تحفظ للفكين وضعها الطبيعي فيتم بذلك جمال الوجه كله.
وهو بتمامها وصحتها تجعل النطق سليمًا واللفظ مفهومًا. فعلى سلامة هذه الدرر يتوقف حسن الهضم، وبصحتها يتم جمال الوجه ويستقيم اللفظ.
لذلك كان لابد من الاهتمام بالفم والأسنان بالغسل والمضمضة... ولعل أعظم طريقة لنظافة الفم والمحافظة على سلامة ومكانة الأسنان هي استخدام السواك.
السواك:
لقد قدم العلم في عصرنا هذا معاجين الأسنان فأضاف إليها من المواد مثل (الفلورين) وغيرها من مواد محافظة على الأسنان. ولكن لم يف بالقدر اللازم للمحافظة على صحة الأسنان بل كان استعماله فيه بعض الأضرار التي قد تؤذى الجهاز الهضمي.
فقد اهتم بأنه يكون سبباً لسوء الامتصاص عن بعض مرضى سوء الامتصاص بسبب بلع هذا المعجون وتأثيره على خمائل الأمعاء الماصة للطعام.
وكان من الواجب إزالة المعجون وأثاره من الفم تماماً حتى لا يحدث أي ضرر بالجهاز الهضمي.. ورغم استعمال المعجون وبرغم ما أضيف إليه من مواد حديثه حافظة للأسنان ما زالت الأسنان تصاب بالتسويس.
ولو عدنا إلى السواك لوجدنا أن فيه خيراً وبركة فيمكننا إزالة أي فضلات طعام متبقية بين الأسنان.... وإزالة هذه الفضلات يمنع تحللها ويطيب الفم.
كما أن السواك – من عود الأراك – يحتوي على مادة حافظة للأسنان واقية لها تفوق مكونات معجون الأسنان الصحي الحديث بكل ما أدخلت عليه من مواد حافظة.
والسواك: بسين مكسورة يطلق على الفعل وعلى الآلة التي يستعملها المتطهر، ويذكر ويجمع على سوك ككتاب وكتب.
وأحاديث السواك شهيرة وفضائله معلومة وآثاره الحسنة ملموسة، كيف لا وهو من سنن المرسلين ومن خصال الفطرة، وقد ورد فيه الأحاديث ما يربو على مائة حدي.
قال أهل العلم:
" وأعجبنا لسنة تأتى فيها هذه الأحاديث الكثيرة ثم يهملها كثير من الناس بل كثير من الفقهاء فهذه خيبة عظيمة ". سبل السلام 1/41.
قال ابن دقيق العيد:
" السر فيه – أي السواك – عن الصلاة أننا مأمورون في كل حال من الأحوال التي نقترب فيها إلى الله تعالى أن نكون في حالة كمال ونظافة، وإظهار لشرف العبادة."
وقد قيل إن ذلك الأمر يتعلق بالملك، وهو أنه يضع فاه على فم القارئ، ويتأذى بالرائحة الكريهة، فسن السواك لأجل ذلك) سبل السلام).
وقد أنكر صلوات الله وسلامه عليه على من أهمل نظافة الأسنان فقال لبعض أصحابه حين رأى صفرة أسنانهم (ما لي أراكم تأتون قلحاً استاكوا) أخرجه أحمد (452) والطبراني في الكبير (2/54).
والقلح بضم القاف وسكون اللام جمع أقلح نو القلح بالفتحتين هو صفرة تعلوا الأسنان ووسخ ركبها.
وفوائد السواك جمة أفاض في ذكرها الأقدمون والمعاصرون قال ابن القيم: " وفي السواك عدة منافع: يطيب الفم، ويشد اللثة ويقطع البلغم، ويجلوا الصوت ويعين بالحفر (بفتح فسكون أو فتحتين – داء يفسد الأسنان) ويصح المعدة، ويصفي الصوت ويعين على هضم الطعام ويسهل مجارى الكلام، وينشط القراءة والذكر والصلاة ويطرد النوم ويرضى الرب ويعجب الملائكة ويكثر الحسنات ". من كتاب الطب النبوي لابن القيم. (298).
" والذي يلحظ أمراض الفم واللثة من إهمال تطهيرهما يدرك سر مبالغة الإسلام في دلك الأسنان بالمواد المحافظة لرونقها وسلامتها دلكا يزيل ما يعلوها وكذلك ما يختفي حولها " وعناية الدين بتطهير الفم وتجلية الأسنان وتنقية ما بينهما لا نظير لها في وصايا الصحة القديمة والحديثة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أمرت بالسواك حتى خشيت أن يدردني " أي تسقط أسناني من شدة التدليك / رواه البزار في المسند.
لذلك فالسواك مستحب في جميع الحالات والأوقات، ولكنه في خمسة أوقات أشد استحبابا لقيام الأدلة على ذلك:
• عند الصلاة.
• عند الوضوء
• عند قراءة القرآن.
• عند الاستيقاظ من النوم.
• عند تغير الفم.
قال الشوكاني:
" وللفقهاء في السواك آداب وهيئات لا ينبغي للفطن الاعتزاز بشيء منها إلا أن يكون موافقا لما ورد عن الشارع. ولقد كرهوه في أوقات وعلى حالات حتى يكاد يفضي ذلك إلى ترك هذه السنة الجليلة، وإطراحها وهي أمر من أمور الشريعة ظهر ظهور النهار " نيل الأوطار 1/1227.
وقال: رسول صلى الله عليه وسلم "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب " سنن النسائي جص/ 10 ط مصطفي محمد.
وفي صحيح مسلم:
( أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل بيته بدأ بالسواك (وفي السنن عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصى يستاك هو صائم). وهنا نرى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة). اللؤلؤ والمرجان فيما أتفق عليه الشيخان لمحمد فؤاد عبد الباقي.
أي السواك خمس مرات يوميًا وفي ذلك صلاح وبركة. كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم علّم أمته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره منه ولم يجعل السواك من القسم المكروه وقد حضهم عليه بأبلغ الألفاظ وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مراراً ويعلم أنهم يقتدون به هكذا يثبت ديننا أنه دين الطهارة والنظافة الروحية والجسدية.
المصادر:
• الإسلام وصحة الإنسان - الشيخ منصور الرفاعي عبيد.
• الطب النبوي - ابن القيم الجوزية.