النبي -صلى الله عليه وسلم- والرفق بالحيوان
النبي -صلى الله عليه وسلم- والرفق بالحيوان
المطوية الفائزة في مسابقة أفضل مطوية / محمد عبد الوهاب السيد
ينطلق المفهوم النبوي للرفق بالحيوان من تصور متوازن يجمع بين منفعة الإنسان وبين الرحمة والرأفة؛ فهو مفهوم لا يسمح بالقسوة أو العبث أو النفعية المطلقة، كما لا يتجاهل احتياجات الإنسان الغذائية والمعيشية التي تتطلب الانتفاع بالحيوان. ومن ثم فكما أن الإسلام لا يسمح بالعبث بالحيوانات أو إيذائها أو تكليفها ما يشق عليها، فهو لا يجنح إلى قول جماعات الرفق بالحيوان المعاصرة التي تدعو إلى منع قتل الحيوانات بالكلية تذرعاً بحماية حقوقها.
وقد جعل النبي –صلى الله عليه وسلم- الرحمة بالحيوان باباً من أبواب الأجر ودخول الجنة، كما جعل القسوة معها سبباً لدخول النار.
فقد جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما رجل يمشى فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من شدة العطش قال: لقد بلغ هذا الكلب مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه، ثم رقي، فسقى القلب! فشكر الله له، فغفر له)) قالوا يا رسول الله! وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: ((في كل كبد رطبة أجر)).
و روي أيضاً عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ((بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به)). ومعنى الركية: البئر.
وفي المقابل روى البخاري وغيره عن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ((دخلت امرأة النار في هرة ربطتها، فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض)).
وفي رواية: ((عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض)).
وقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يحسن إلى الحيوانات ويرحمها
فقد روى أحمد وأبو داود -وصحح الحديث الشيخ أحمد شاكر- عن عبد الله بن جعفر –رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- دخل حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي –صلى الله عليه وسلم- حن وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فمسح ذِفراه فسكت فقال: ((من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟)) فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: ((أفلا تتقى الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلى أنك تجيعه وتدئبه)). ومعنى ذفراه: مؤخرة رأسه، ومعنى تدئبه: تتعبه.
فالحديث يبين لنا رحمة النبي –صلى الله عليه وسلم- وذهابه إليه وتهدئة حزنه ثم نهى صاحبه عن إيذائه، ومن قول النبي –صلى الله عليه وسلم- ((أفلا تتقي الله في هذه البهيمة)) يبين النبي –صلى الله عليه وسلم أن الرحمة بالحيوان من تقوى الله عز وجل.
وروى أبو داود وأحمد وابن حبان وابن خزيمة –وصحح الحديث الشيخ شعيب الأرناؤط- عن سهل بن الحنظلية –رضي الله عنه- قال: مر الرسول –صلى الله عليه وسلم- ببعير قد لصق ظهره ببطنه، فقال: ((اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة))
وروى الطبراني في الأوسط وأبو نعيم وابن ماجة والطحاوي والدارقطني والبيهقي –وصحح الألباني الحديث- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يصغي للهرة الإناء فتشرب ثم يتوضأ بفضلها.
فهذه الأحاديث كلها –و غيرها كثير- تبين أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان رحيماً في التعامل مع الحيوانات وكان يحسن معاملتها.
وقد بين النبي –صلى الله عليه وسلم- ضوابط مشددة لقتل الحيوان
ففي الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي وغيرهما من حديث شداد بن أوس قال: خصلتان سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته.
وروى أحمد وابن ماجة من حديث ابن عمر، قال: أمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بحد الشفار وأن توارى البهائم، وقال: إذا ذبح أحدكم فليجهز.
وكذلك جاء في حديث في سنن أبي داود ألا يذبح ولد الناقة وهو صغير حتى يكبر ويكون ابن مخاض (في السنة الثانية من عمره) أو ابن لبون (في السنة الثالثة). وقد أعرضت عن ذكره لصعوبة ألفاظه.
وروى النسائي والحاكم –و صححه الشيخ أحمد شاكر- عن ابن عمرو –رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من إنسان يقتل عصفوراً فما فوقها بغير حقها إلا يسأله الله عنها يوم القيامة)). قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: ((حقها أن تذبحها فتأكلها ولا تقطع رأسها فترمي به)).
وقد أجاز النبي –صلى الله عليه وسلم- تربية الحيوانات للانتفاع بها، بل وللتسلي بها وملاعبتها، مثلما جاء في حديث أنس بن مالك الذي رواه البخاري:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً وكان لي أخ يقال له أبو عمير قال أحسبه فطيماً وكان إذا جاء قال يا أبا عمير ما فعل النغير (نغر كان يلعب به) فربما حضر الصلاة وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس وينضح ثم يقوم ونقوم خلفه فيصلي بنا.
ولكن هذا الحديث لا يعني مطلقاً تجويع هذه الحيوانات فهذا محرم كما سبق في حديث المرأة التي دخلت النار في هرة حبستها فلم تطعمها. كما لا يعني تحميل الحيوان ما لا يطيق.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما رجل يسوق بقرة، إذ ركبها فضربها، فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث)).
فالحديث يدل على أن لكل حيوان دوراً، فلا يمكن ركوب البقر لأنها لا تحتمل هذا، وإنما يستفاد بها في الحرث وفي الاستفادة بلحومها وألبانها.
وكذلك نهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن إيذاء الحيوانات.
فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر –رضي الله عنهما- أنه قال: إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً. ومعنى الغرض: ما ينصبه الرماة يقصدون إصابته بالنبال وغيرها.
وروى مسلم عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- مر على حمار قد وسم في وجهه فقال: ((لعن الله الذي وسمه)). وقد ورد هذا المعنى في أحاديث عديدة.
وروى أبو داود عن أبي مسعود –رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تعرش، فجاء النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: ((من فجع هذه بولديها؟ ردوا ولديها إليها)).
وروى البخاري ومسلم عن أنس أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهى أن تصبر البهائم. (أي تحبس وتضرب حتى تموت).
وقد وردت نصوص في القرآن والسنة تحرم الإبادة الجماعية أو القتل الجماعي لصنف من الحيوانات وتحض على الحفاظ على أنواع الحيوانات من الانقراض لصيانة التوازن البيئي.
فمن ذلك ما جاء في سورة هود: ((حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل)) (هود: 40)
فتبين الآية أن الله قد أمر نبيه نوحاً عند حدوث الطوفان بإنقاذ ذكر وأنثى من كل المخلوقات الموجودة ليمكنها التزاوج والتكاثر من جديد.
وروى البخاري في صحيحه أيضاً عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: ((قرصت نملة نبياً من الأنبياء فأمر بقرية من النمل فأحرقت فأوحى الله إليه: أن قرصتك نملة أحرقت أمة تسبح الله؟)) وفي رواية أخرى للحديث: ((فهلا نملة واحدة؟))
وروى أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم –وصححه الألباني- عن عائشة –رضي الله عنها- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم)).
فرغم أن العرب كانوا يأنفون من الكلاب ويتأذون منها إلا أن النبي –صلى الله عليه وسلم- لم يسمح لهم بقتلها قتلاً جماعياً.
وأجمل ما جاء في باب الرحمة بالحيوان في السنة النبوية هو تحريم لعنة الحيوانات، وتحريم الإيذاء المعنوي هو أمر لم ترق إليه الأديان أو الفلسفات في أي وقت من الأوقات ولا حتى في العصر الحاضر الذي كثرت فيه الكتابات عن حقوق الحيوان.
فقد روى مسلم من حديث أبي الدرداء أنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (لا يكون اللعانون شفعاء يوم القيامة).
وروى أحمد – وله شاهد في مسلم- عن أبي برزة قال: كانت راحلة أو ناقة أو بعير عليها بعض متاع القوم وعليها جارية، فأخذوا بين جبلين فتضايق بهم الطريق فأبصرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: حل حل اللهم العنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم من صاحب هذه الجارية؟ لا تصحبنا راحلة أو ناقة أو بعير عليها من لعنة الله تبارك وتعالى.
أما إن قال قائل: فلماذا لم يحرم الإسلام قتل الحيوانات وركوبها بالكلية؟ قلنا: قد جاءت النصوص العديدة بجواز ذبح الحيوانات وأكلها وركوبها والاستفادة بألبانها ولحومها وجلودها بعد دبغها –إلا ما جاء النص بتحريمه مثل أكل الميتة والخنزير- ولا سبيل إطلاقا لتأويل نصوص القرآن ليقال إنه قد حرم مثل هذه الأمور، بل إنه قد جاء القرآن بالوعيد الشديد على من يحرم شيئاً مما أحله الله حتى جعل ذلك من عمل المشركين.
فقد قال تعالى: (( وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه سيجزيهم بما كانوا يفترون)) (الأنعام: 138)
وقال سبحانه: (( قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون)) (يونس: 59)
و نقول أيضاً: إن المتحدثين بهذه الأمور هم من دول غنية وكثيرة الموارد، فهل تصلح دعوتهم في الدول قليلة الموارد أو الدول التي بها مجاعات؟ فقد جاء شرع الله صالحاً لهم جميعاً. ولا يمكن أن يقال إن الغذاء النباتي الموجود على كوكب الأرض يكفي سكانه جميعاً، ولا دليل أنه كان يكفيهم في أي وقت من الأوقات. ثم قد تحدث الأطباء عن أهمية البروتين الحيواني والسمكي حديثاً وافياً، ولا يوجد في الأقوال الطبية المعتمدة إن الإنسان يمكنه أن ينال حاجاته الغذائية كاملة من النباتات، بل هي على خلاف ذلك تماماً. وكذلك، فالمتحدثون من دول تقتل الناس ولا تبالي، ولا يقيمون وزناً لحقوق الإنسان أولاً، فهل الحفاظ على الحيوانات أولى عندهم من الرحمة بالإنسان؟ وأخيراً، فالدعوة القائلة بالاكتفاء بالنباتات في الغذاء قد نفذها بعض الأفراد في بعض دول العالم، ولكن لم يمكن تطبيقها إلى اليوم في أي من المجتمعات البشرية، وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وغيرهما من دول العالم تصنف العديد من جمعيات حقوق الحيوان على أنها جمعيات إرهابية تهدد أمن المجتمع، وذلك لأن بعضاً منهم قد قاموا بأعمال تخريبية في بعض مزارع الحيوانات والدواجن. فقد آمنا بما أمرنا به الله ورسوله، وآمنا أنه ما حوت الأرض أرحم ولا أرأف بخلق الله سبحانه وتعالى من نبيه محمد –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كما وصفه ربنا عز وجل في كتابه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).