الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال تعالى:﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُواْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلواْ ٱلأَلْبَابِ ﴾ [ص/29]
وقال عز وجل :﴿ لَوَ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر21].
وقال صلى الله عليه وسلم: (اقْرَؤوا القرآنَ . فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه) [صحيح مسلم]
وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ ؛ فَلهُ بهِ حسنةُ ، والحسنةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِها ، لا أَقُولُ : الم حرفٌ ، ولكنْ أَلِفٌ حرفٌ ، ولامٌ حرفٌ ، ومِيمٌ حرفٌ) [رواه الترمذي وصححه الألباني]
« فالذي صلح به أول هذه الأمة، حتى أصبح سلفا صالحا، هو هذا القرآن وصفه منزِّله بأنه إمام، وأنه موعظة، وأنه نور، وأنه بينات، وأنه برهان، وأنه بيان، وأنه هدى، وأنه فرقان، وأنه رحمة، وأنه شفاء لما في الصدور، وأنه يهدي للتي هي أقوم، وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه قول فصل وما هو بالهزل. ووصفه من أنزل على قلبه، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه لا يخلق جديده، ولا يبلى على الترداد، ولا تنقضي عجائبه، وبأن فيه نبأ من قبلنا، وحكم ما بعدنا، ثم هو بعد حجة لنا أو علينا. القرآن هو الذي أصلح النفوس التي انحرفت عن صراط الفطرة، وحرر العقول من ربقة التقاليد السخيفة، وفتح أمامها ميادين التأمل والتعقل، ثم زكى النفوس بالعلم والأعمال، وزينها بالفضائل والآداب.» [آثار الإمام الإبراهيمي/ج4/ص:94]
«إذا أردتَ الانتفاع بالقرآنِ فاجمعْ قلبك عند تلاوته وسماعه، وألقِ سمعَك، واحضُر حضورَ من يخاطبه به من تكلَّم به سبحانه منه إليه؛ فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله، قال الله تعالى:﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوَ اَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ (ق:37 ) » [ الفوائد/ابن القيم/ص:7]
فكيف هو حالنا مع كتاب الله العظيم؟ وكيف كان حال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح؟
ــــ هل نواظب على قراءته دون أن يشغلنا عنه شيء من مغريات الدنيا؟
كان عروة يقرأ ربع القرآن في كل يوم نظرا في المصحف، ويقوم به بالليل، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله، ثم عاوده من الليلة المقبلة. [رواه البيهقي في شعب الإيمان/ج3/ص:513 ]
ـــ هل تدمع أعيننا وتخشع قلوبنا وتقشعر جلودنا عندما نقرأ القرآن الكريم أو نستمع له؟
عن عائشة ــ رضي الله عنها ــ أن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ــ بنَى مسجدًا بفِناءِ دارهِ بمكةَ قبل الهجرةِ وأنه كان يقومُ فيه بالقرآنِ ويكثرُ بكاؤه ونشيجُه عند قراءتِه فتقِفُ عليه نساءُ المشركينَ ووِلدانُهم يسمعونَ قراءتَه. [الجامع لشعب الإيمان/البيهقي/ج3/ص414]
وقال ابن أبي مليكة: "صحبت ابن عباس من المدينة إلى مكة، وكان يصلي ركعتين فإذا نزل قام شطر الليل يرتل القرآن حرفاً حرفا، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب".[الجامع لشعب الإيمان/البيهقي/ج3/ص:416]
وسأل عبد الله بن عروة بن الزبيرــ رضي الله عنه ــ جدته أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: “يا جدة كيف كان أصحاب النبي إذا سمعوا القرآن؟ قالت: تدمع أعينهم، وتقشعر جلودهم كما نعتهم الله.[الجامع لشعب الإيمان/ البيهقي/ج3/ص:417]
ــــ هل نتدبر ما نتلوه من آيات القرآن الكريم ونتفهم معانيها ونعمل بها ؟
كان أصحاب الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، لا يتجاوزون عشر آيات من كتاب الله العزيز حتى يفهموها ويعملوا بها.
عن مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "تعلم عمر البقرة في اثنتي عشرة سنة فلما ختمها نحر جزوراً". [الجامع لأحكام القرآن/القرطبي/ج1/ص:40 /المكتبة الشاملة]
وعن الحسن بن علي رضي الله عنه قال:" إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها بالنهار" [ التبيان في آداب حملة القرآن/النووي/ص:54] .
ـــ هل نمتثل لأوامره ونجتنب نواهيه؟
لما نزلت هذه الآية : :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ اَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [الحجرات / آية 2 ]؛ جلس ثابت بن قيس في بيته وقال : أنا من أهل النار . واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم . فسأل النبي سعد بن معاذ فقال يا أبا عمرو ! ما شأن ثابت ؟ أشتكى؟) قال سعد : إنه لجاري . وما علمت له بشكوى . قال فأتاه سعد فذكر له قول رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال ثابت: أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنا من أهل النار ؛ فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بل هو من أهل الجنة) [صحيح مسلم] . ـــ هل نتأثر بآيات الوعد والوعيد؟
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع القرآن بقلوبهم، سهروا معه، فكان الواحد منهم تبكيه الآية وتفرحه الآية، يعيش الوعد والوعيد والشوق والتهديد، ...وإذا تلا الواحد منهم الآية التي فيها ذكر النيران، وغضب الواحد الديان، صعق كأن زفير النيران بين أذنيه.[ جيل القرآن/محاضرة للشيخ محمد مختار الشنقيطي/موقع إسلام ويب]
سمع عمر بن الخطاب يومًا رجلا يتهجد في الليل ويقرأ سورة الطور، فلما بلغ إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ﴾ [الطور:6 ــ 7] ، قال عمر:قسمٌ وربِّ الكعبةِ حقٌّ، ثم رجع إلى منزله فمرض شهرًا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه. [التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار/ ابن رجب/ص:41 ]
ـــ هل نتخلق بأخلاقه ونتأدب بآدابه؟
كان الصحابة ــ رضوان الله عليهم ــ، كل واحد منهم يمثل نسخة عملية من المصحف يراها الناس رؤيا العين. كانت أخلاقهم أخلاق القرآن وأخلاق المتدبر له. [محاضرة للدكتورعمر عبد الكافي/موقع إسلام ويب]
قال الحسن بنُ علي رضي الله تعالى عنهما: «لو أنَّ رجلاً شتَمني في أذني هذه، واعتذر في أُذني الأخرَى، لقبِلتُ عذرَه». [الآداب الشرعية/ابن مفلح/ج1/ص:302/المكتبة الشاملة].
فما أحوجنا إلى الاقتداء بسلفنا الصالح، والسير على نهجهم.
اللهم عظم حب القرآن في قلوبنا، وقلوب أبنائنا، واجعلنا ممن تعلم القرآن وعلمه.
اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا. اللهم اجعل القرآن حجة لنا لا علينا
والحمد لله رب العالمين وصل اللهم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.