*الجزء العاشر*
(اية مشاعر تلك التي اشعر بها تجاهك؟)
ربما كان ما فعله عماد عاديا..واي شخص في مكانه كان سيفعله لو تعرف على ليلى من قبل..لكن هذه الأخيرة اعتبرت ما قام به عماد كبيرا جدا..وانه جميل لن تنساه له ابدا..وقالت بابتسامة واسعة وهي تراه يلتفت لها: اشكرك جزيل الشكر يا سيد عماد على ما قمت به لأجلي..لن أنسى جميلك هذا ابدا..
قال عماد بابتسامة شاحبة اثر تعبه: عن أي جميل تتحدثين؟..لم افعل غير الواجب..وما يمليه علي ضميري..
قالت وهي تتطلع إليه: أتعبتك معي كثيرا..
- أبدا..لقد سعدت بمساعدتك..
وأردف قائلا: ألا تحتاجين لأي مساعدة اخرى؟..
هزت رأسها وقالت: كلا شكرا جزيلا لك..
ابتسم وقال: العفو يا آنسة..
قالها ومضى في طريقه الى حيث سيارته..وما ا دلف اليها..حتى زفر بقوة..وهو يسند رأسه الى مسند المقعد..شعر بحبيبات العرق تتصبب على جبينه.. وبإرهاقه يتضاعف..ترى هل سيتمكن من القيادة الى المنزل؟..يتمنى هذا..
قاد سيارته بهدوء في شوارع المدينة..حتى لمح المنزل يتراءى له من بعيد..فزفر بحدة وهو يقترب من المنزل أكثر..واخيرا يوقف سيارته الى جواره..ليهبط من السيارة ويتوجه اليه..ودون ان ينبس ببنت شفة..او حتى يلتفت ليرى ان كان أحد موجود بالردهة صعد الى الطابق الأعلى متوجها الى غرفته..وما ان وصل اليها حتى القى بجسده على الفراش بتعب..
وارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتيه أمحت آثار التعب الذي كانت مرتسمة على ملامحه منذ لحظات..وهمس لنفسه قائلا: (لا اعلم ماذا يحدث لي؟..ولكني اشعر انني منجذباً اليك بالرغم مني..ترى هل هو اعجاب..ام ميل..ام هو الحب يا ترى؟..)
************
رنين مستمر..أزعج وعد..وجعلها تفيق من نومها بالرغم منها..والتفت الى جوارها لتغلق المنبه وتصمت رنينه المزعج..وتنهض من فراشها..توجهت في سرعة الى دورة المياه..لتغسل وجهها وتستعد للذهاب للصحيفة..وليوم عمل جديد..
ولم تمضِ نصف ساعة حتى كانت وعد قد جهزت تقريبا..بعد ان ارتدت بنطال ازرق من نوع (الجينز) ..وقميص ازرق فاتح بأكمام طويلة..ارتدت فوقه سترة طويلة تصل الى ما فوق الركبة من غير أكمام زرقاء ومن نوع الجينز ايضا..
كانت تبدوا بسيطة بهذه الملابس وانيقة في الوقت ذاته..ملابسها جعلتها تبدوا بمظهر ناعم وهادئ..
وأسرعت لتختطف حقيبتها وتخرج من الغرفة نحو الطابق الأسفل..وما ان وصلت نحو طاولة الطعام التي كانت بإحدى زوايا الردهة حتى قالت: ابي..امي..سأغادر الآن..مع السلامة..
هتف بها والدها: تعالي يا وعد قليلا ارغب في الحديث معك..
توجهت الى والدها وقالت متسائلة: ماذا هناك يا ابي؟..
قال والدها بهدوء: اشربي كأس من العصير قبل ان تخرجي..
ابتسمت وعد وقالت: اظن ان الدعوة للطعام هي من اختصاص امي..
أمسك والدها باذنها مداعبا وقال مبتسما: من اختصاص امك او من اختصاصي لا فرق..اهم شيء ان تتناولي شيئا قبل خروجك..
ضحكت وعد وقالت: حسنا يا ابي سأفعل..ولكن اترك اذني اولا..
قال وهو يترك اذنها ويشير بيده نحو المقعد: هيا اجلسي..
جلست في سرعة وقالت: لقد جلست لأجلك فقط..ولكن علي الإسراع فأخشى ان أتأخر..
وأسرعت بتناول بعض قطع البسكويت..وشُرب كأس العصير ومن ثم قالت وهي تنهض من مقعدها: والآن انا ذاهبة..أتريدان شيء قبل ان اخرج؟..
قالت والدتها بهدوء: سلامتك..فقط قودي بتمهل..
قالت وعد بمرح: لن اصل الى الصحيفة إلا بعد ساعتين اذا..
واردفت وهي تتوجه نحو الباب الرئيسي: مع السلامة..
ولم تلبث ان غادرت المنزل وانطلقت بسيارتها متوجهة الى الصحيفة..وهناك أوقفت سيارتها الرياضية الحمراء بأحد المواقف..وغادرتها متوجهة نحو مبنى الصحيفة..وابتسمت بهدوء وهي تتذكر اول مرة دلفت فيها الى هذا المبنى.. وحتى عندما صعدت بالمصعد نحو الطابق الثالث تذكرت اصطدامها بتلك السيدة عندما كادت ان تخرج منه..يا الهي هل الأيام تمضي سريعا هكذا؟..وهل هذا اليوم هو اليوم السابع لي بالصحيفة؟..اشعر وكأن شيئا لم يتغير وان...
قطعت حبل أفكارها اثر وصولها الى جوار قسم الصفحة الرئيسية ودلفت اليه وهي تقول بابتسامة واسعة: صباح الخير جميعا..
لم تنتظر سماع رد لتحيتها..وكانت عيناها تتطلعان الى مكتب ما..مكتب يجاور مكتبها تقريبا..وما ان فعلت حتى اختفت ابتسامتها من على وجهها..فقد كان مكتب طارق فارغا..يبدوا وانه خرج من القسم..لا تعلم لم شعرت بالضيق من كونه غير موجود بالمكتب..اعتادت وجوده يوميا كلما جاءت صباحا..ولكن حقا لم تشعر بالضيق؟..ما دخلها هي؟..
أكملت طريقها الى حيث مكتبها حتى لا يشعر أحد بضيقها..وطارق لا يزال محور تفكيرها..لم تشعر بالضيق لعدم وجوده؟..لم تتلهف أحيانا لرؤيته؟..يالها من بلهاء..لم تفكر به وهو الى الآن لم يبادلها الا بضع كلمات داخل نطاق العمل..لقد استحوذ على تفكيرها منذ اليوم الأول..ربما لغموضه..او لبروده المضاعف..او ربما لأنها..لأنها...
(آنسة وعد..)
التفتت الى صاحبة الصوت ناطقة العبارة السابقة وقالت: أجل..ما الأمر يا أستاذة نادية؟..
قالت نادية بهدوء:رئيس التحرير يطلبك..
قالت وعد بدهشة: أنا؟..
اكتفت نادية بهز رأسها ايجابيا..فقالت وعد وهي تنهض من خلف مقعدها: سأذهب لأرى ما يريد اذا..
وغادرت القسم لتسير بالممرات وعندما وصلت الى مكتب رئيس التحرير..توجهت الى مكتب السكرتيرة اولا وقالت: من فضلك؟..أنا الصحفية وعد عادل..ورئيس التحرير أرسل بطلبي..هل استطيع الدخول؟..
قالت السكرتيرة وهي تنهض من خلف مكتبها: اجل..فقد طلب مني ان أدخلك على الفور اذا حضرت..
وتوجهت لتفتح لها باب المكتب..واستغربت وعد الارسال في طلبها من رئيس التحرير..وثانيا ادخاله لها على الفور وكأن الأمر مستعجل ويحتاجها..و...
انقطع حبل أفكارها..لا لشيء..ولكن لأن طارق كان يقف أمامها..في مكتب رئيس التحرير أيضا..وبعد ان كانت تسير بخطوات واثقة..باتت تسير بخطوات بطيئة ومضطربة بعض الشيء..وقالت عندما وصلت الى حيث مكتب رئيس التحرير..وهذا الأخير يجلس خلفه: هل ارسلت في طلبي يا سيد نادر؟..
تطلع اليها رئيس التحرير ومن ثم قال سريعا: في الحقيقة لقد كنت أفكر بإرسالكما لعمل تقرير عن مؤتمر سياسي..ولكن حدثت ظروف دفعتني لتغيير هذا القرار..وإرسالكما لعمل تقرير عن حادث مروري..
قالت وعد متسائلة: واين وقع هذا الحادث؟..
تطلع اليها رئيس التحرير بحزم على مقاطعته وقال: لم انهِ كلامي بعد..
واردف قائلا: لقد وقع الحادث بالشارع الثاني في المنطقة الخامسة..أريدكما ان تسرعا في عمل التقرير قبل ان تسبقنا أي صحيفة اخرى..
أومأ طارق برأسه ايجابيا وقال : هل من أمر آخر يا سيدي؟..
قال رئيس التحرير في سرعة: كلا يمكنكما المغادرة..
التفت طارق الى وعد وقال ببرود: هيا بنا اذا يا آنسة وعد..
قالها ومضى في طريقه نحو باب المكتب ووعد تتبعه بخطوات سريعة محاولة اللحاق بخطواته الواسعة..وما ان صعدا المصعد وضغط على زر الطابق الارضي حتى قال طارق: هل أحضرت الكاميرا؟..
هزت وعد رأسها نفيا وقالت: كلا..
قال طارق وهو يشير بأصبعه: اذا هذا هو الخطأ الأول لك..
عقدت حاجبيها وقالت محاولة الدفاع عن نفسها: اولا.. لم اكن اعلم السبب الذي دعا المدير للارسال في طلبي..وثانيا انت لم تمنحني الفرصة للعودة..
قال طارق وهو يلتفت عنها: كان بإمكانك ان تطلبي مني التوقف..انا لم أجبرك على اللحاق بي..
ازداد انعقاد حاجبي وعد..ايتعمد استفزازها أم ماذا؟..وقالت ببرود مماثل لبروده: سأقوم بالتصوير بواسطة هاتفي..لا مشكلة..
لم يعلق طارق على عبارتها ووصل المصعد في تلك اللحظة إلى الطابق الأرضي..فخرجت منه وعد اولا وهي تشعر بالسخط من تصرفاته..لن يتغير..مهما ظنت انه قد غير طريقة تعامله معها يعود الى بروده..والى استفزازه لها..تشعر احيانا برغبة بداخلها تدفعها الى الرد عليه..والصراخ في وجهه حتى يتوقف عند بروده الذي يكاد يحطم أعصابها..أو حتى....
(آنسة وعد أسرعي..سنذهب بسيارتي)
قالها طارق بحزم وبلهجة من لا تقبل النقاش..ولكن وعد قالت باستنكار: سأذهب بسيارتي فلا أريد ان...
قاطعها طارق قائلا بحزم: ليس لدي الوقت الكافي لتضييعه معك..استمعي الي..ان الطرق مزدحمة هناك ولن تتمكني من اللحاق بي..
رفعت وعد حاجبيها للحظة ومن ثم عادت لتخفضهما..لم تعلم لم وجدت نفسها تتقدم من سيارته وتدلف اليها..ربما لصدق ما قاله..او ربما لأنها أحست ان ليس هناك أي داع للاعتراض..فهي ستذهب معه في مهمة خاصة بالعمل..
وطوال الطريق لم يتبادلا كلمة واحدة ..كان طارق صامت ومنشغل بالقيادة..اما وعد فكانت تتطلع من النافذة بشرود..وما ان اوقف طارق السيارة حتى قال: المكان مزدحم جدا..حاولي ان تتبعيني..
التفتت لتتطلع الى جماعات الناس التي تجمعت حول الحادث وشرطة المرور تحاول منعها بشتى الطرق..وأسرعت بالنزول من السيارة.. لترى طارق قد أسرع باتجاه الازدحام..فأسرعت بدورها خلفه..
اقتحم طارق جماعات الناس بمهارة يثبت بذلك انه اعتاد على مثل هذه الامور..ولكن ماذا عن وعد التي وُضعت في هذا الموقف للمرة الأولى..كانت تحاول اقتحام افواج الناس من دون فائدة..وتطلعت الى طارق الذي اكمل طريقه دون ان يلتفت لها حتى..
وقال طارق عندما وصل عند احد شرطة المرور وهو يخرج بطاقته المهنية من جيبه: من فضلك؟..انا صحفي وارغب بتصوير الحادث..اسمح لي بالمرور..
تطلع شرطي المرور الى بطاقته ثم قال بسرعة: أسرع..قبل ان يدلف خلفك احد من الناس..
التفت طارق الى الخلف وقال: هيا بنا يا....
بتر عبارته وعقد حاجبيه بغرابة..وعد ليست خلفه..لم تتمكن من اقتحام جماعات الناس..وقال وهو يلتفت لشرطي المرور مرة اخرى: سأذهب لأرى زميلتي واعود..لحظة واحدة..
لم يهتم شرطي المرور بالإجابة على عبارته..او التعليق عليها..في حين عاد طارق أدراجه باحثا عن وعد..تلفت حوله مرارا اين هي؟..لهذا يكره ان يكون معه شخص ما..لكي لا يقع في مثل هذا الموقف؟..وهتف اخيرا بصوت عالٍ: آنسة وعد..هل تسمعيني؟..وعد..
شاهدها اخيرا وهي تحاول المرور بين جماعات الناس دونما فائدة..فتوجه اليها وقال: هيا اسرعي ..حاولي المرور..
قالت وهي تزفر بحدة: لا استطيع..
عقد حاجبيه..ثم لم يلبث ان عاد ادراجه قليلا..ليمسك بمعصم وعد ويخرجها من بين جماعات الناس بسرعة..وقال: يجب عليك ان تعتادي مثل هذه الامور..فمستقبلا ستكونين وحدك..
قالت وهي تحاول اللحاق به: وعليك انت ايضا ان لا تمضي في طريقك دون ان تتأكد من وصول من يرافقك ايضا.. فستوضع في هذا الموقف مستقبلا..
قال طارق بسخرية وهما يخرجان اخيرا من بين صفوف الناس: اشكر لك نصيحتك..
قالت وعد وهي تلهث: على العموم..شكرا لك..
التفت طارق عنها دون ان يعلق على عبارتها..وتحدث الى شرطي المرور الذي سمح له بالمرور مع وعد..وبالنسبة لوعد فقد كان هذا اليوم حافلا.. ومرهقا.. و... مميزا...
************
ابتسمت وعد بسعادة وهي تتطلع الى الصور التي التقطوها للحادث وقالت: انها صور مميزة جدا..ونادرة ايضا..لن يتمكن أي صحفي من التقاط مثل هذه الصور التي تعطي صورة مكتملة عن المكان..
قال طارق بهدوء: هل قمت بسؤال احد من اللذين شاهدوا الحادث؟..
أومأت وعد برأسها ايجابيا وقالت: بلى فعلت..وماذا عنك هل قمت بسؤال شرطة المرور؟..
لم يعلق على عبارتها بل قال مغيرا دفة الحديث: فلنعد إذاً..
هزت وعد كتفيها بلامبالاة وتبعته الى حيث السيارة.. وقالت محاولة تلطيف الجو قليلا:انتبه للطريق والا لن يكون حالنا افضل من حال ذلك الحادث..
التفت لها طارق وقال: أتظنين انها السنة الأولى التي اقود فيها؟..
قالت وعد بحنق: لم اعني شيئا..كنت أريد تلطيف الجو بعد هذا العمل الشاق..
مضى طارق في طريقه مبتعدا..ووعد تشعر بأنها ستنفجر في وجهه في اية لحظة.. مغرور ..بارد ..تافه .. كلما تقضي فترة أطول معه كلما تشعر بالاستياء والغضب من تصرفاته..لا تراه يستفز أحد سواها ببروده هذا..او ربما هي الوحيدة التي تشعر بالغضب من تجاهله..اما البقية فقد اعتادوا عليه..
دلفت وعد إلى السيارة بصمت..وانطلق طارق بالسيارة عابراً شوارع المدينة..وقال وهو يختلس النظر إليها: ستتعلمين كيفية اعداد التقارير هذا اليوم..
قالت ببرود متعمد: وأنت من سيقوم بتعليمي؟..
رفع طارق أحد حاجبيه وقال: أجل أنا..ألست أهلا لذلك؟..
قالت وعد وهي تزدرد لعابها: لم أقل ذلك ولكنك هادئ أكثر من اللزوم..بمعنى آخر بارد في تصرفاتك معي..هل لي ان اعلم السبب؟..
صمت طارق لدقيقة كاملة حتى ان وعد ظنت انه لن يجيب على استفسارها..ولكنها سمعته يقول بعد فترة: أنا هكذا مع الجميع..ولست معك فقط..
قالت وعد وهي تلتفت اليه: اعلم..ولكن تصرفاتك.. وكتاباتك لا تبدوا متطابقة..بمعنى ادق كتاباتك لابد ان تعكس شخصيتك..وأنا ارى كتاباتك مختلفة تماما..وهذا يعني انه ربما يكون برودك هذا مجرد قناع تخفي به طبيعتك الحقيقية..
شعر طارق بالإعجاب أكثر منه اندهاش..كلماتها كانت لها الأثر الكبير في نفسه..وخصوصا وهي تلمس شيئا من الحقيقة التي يحاول إخفاءها..لقد تمكنت من ان تفهمه وان تفهم ما لم يفهمه الجميع طوال هذه السنوات..من هي هذه الفتاة؟..تبدوا مرحة..هادئة..جريئة وذكية..و...
التفت لها ..وقال وهو يتطلع اليها: لن أتمكن من إجابة مثل هذا السؤال.. اعذريني..
همت بأن تقول شيء ما ولكنها وجدته يردف: ليس في الوقت الحالي على الأقل..
ابتسمت وعد في قرارة نفسها..هذا يعني انه سيجيبها على مالديها من اسألة..لا يهم متى..المهم ..انه سيجيبها يوما ما..تتمنى أحيانا لو تستطيع سبر أغواره..وقراءة ما يخفيه في اعماقه..أحيانا تشعر بأنه كالبحر في غموضه..وهدوء أمواجه..وأحيانا اخرى تشعر انه كالريح العاتية التي تستطيع ان تزيح كل ما أمامها..وخصوصا عندما يغضب..
وصلا في تلك اللحظة الى مبنى الصحيفة..فهبطا من السيارة وتوجها الى المبنى..ومن ثم إلى القسم الذي يعملان به..وما ان وصل الى داخل القسم حتى قال في سرعة:أسرعي بإعداد المسجل..والأشرطة..سنستخدمها في إعداد التقرير..
قالت وهي تدخل الى القسم: فليكن..هل من شيء آخر؟..
هز طارق رأسه نفيا وقال: كلا..
أعدت الأشرطة بالمسجل وقامت بتشغيله..وأخذ طارق يستمع اليه بانتباه واهتمام..ويسجل المعلومات الأساسية والمهمة فقط..التي ستفيده في تقريره..ثم لم يلبث أن أغلق جهاز التسجيل وقال في سرعة: الآخر..
أومأت وعد برأسها وهي تناوله الشريط الآخر فقال وهو يضعه بداخل جهاز التسجيل: شكرا..
ابتسمت وعد بسرور..انه يبدوا مهذبا..لم تعتد ان يشكرها على أي شيء تقوم به...ولكن هاهو ذا يفعل الآن..انه شاب غريب لن تفهمه أبداً..واستيقظت من شرودها على صوت طارق وهو يقول: والآن عليك ان تختاري الجمل المناسبة لوضع هذه المعلومات فيها ..فمثلا ..وقت الحادث ..يمكنك ان تضعيه في جملة تشمل الوقت والمكان معا..هل فهمت ما أقوله؟..
قالت مبتسمة: بالتأكيد..
قال مستطردا وكأنه لم يسمع إجابتها: وأريد أن يكون مفهوما..غير معقد..ومختصرا..ويحتوي في الوقت ذاته على كل ما يهم..
قالت وعد وهي تتنهد: حسنا فهمت..هل أستطيع العمل الآن؟..
قال طارق بهدوء: تستطيعين.. واستخدمي هذه المعلومات التي قمت بتدوينها في هذه الورقة..
قالها وسلمها الورقة..وكادت ان تبتعد الى حيث مكتبها لكنها سمعته يقول مناديا باسمها: وعد...
تسمرت قدما وعد بالمكان..انه يقول اسمها مجردا من أي القاب..لم؟..ومن ثم لماذا هتف بي مناديا؟..ولماذا نبضات قلبي تسارعت؟..يا الهي أي شعور ينتابني كلما اسمع صوتك..
والتفتت اليه..وهنا فقط التقت نظاراتهما..وأحس كلاهما بشيء غريب يجذبه نحو الآخر..أحست وعد بغموض عينه وسحرهما والدفء الذي تراهما فيها..وشعر طارق بجمال عينيها ومرحها وحنانها..أحس في هذه اللحظة بشيء غريب يتسلل الى أعماقه..
وظلا صامتين ..وكلاهما يكتفي بلغة العيون التي دار بينها حوار طويل..وأفسد هذه اللحظة التفات طارق عنها وقال بصوت مرتبك بعض الشيء: اعتذر ان كنت قد أحرجتك ذات يوم..
أذناها لا تصدقان ما تسمعان..طارق يعتذر لها..لقد بت اشعر بالحيرة لا بل بالذهول..لم اعد أدرك..من انت حقا؟..إنسان بارد جامد المشاعر..أم انسان هادئ ومهذب..أم انسان متفائل وسعيد..عيناك تحملان شجنا عجيبا لم المحهما في عيني أي شخص آخر..
وقالت بعد وهلة من الصمت: لا بأس..لم يحدث شيء..
قالتها وانطلقت الى مكتبها مسرعة..قبل ان يكشفها توترها..ونبضات قلبها..التي باتت تخشى ان كانت مسموعة لدى الجميع الآن..وبدون ان تشعر تمتمت متحدثة الى نفسها وهي تطلع اليه بين لحظة وأخرى: ( اعترف بأنك قد بت جزءاً لا يتجزأ في حياتي..وانك أصبحت شخصا مهما فيها)..
*************
توجه هشام بخطوات مترددة الى غرفة فرح وطرق بابها قائلا: فرح..هل يمكنني الدخول؟..
قالت فرح وهي تفتح باب الغرفة له: بالتأكيد..ماذا هناك؟..
قال هشام مبتسما: جئت للسؤال عن أحوالك؟..
قالت فرح مبتسمة: ليس من عادتك ذلك..على العموم..انا بخير..هل من أسألة أخرى؟..
قال هشام وهو يومئ برأسه: بلى..وما أخبار الجامعة معك؟..
قالت فرح وهي تطلع اليه بملل: هشام اختصر الطريق..وقل ما جئت لتقوله..لا داعي لكل هذه المقدمات..
صمت هشام لفترة ومن ثم قال: حسنا سأقول..لكن من دون سخرية او استهزاء..
قالت فرح بمكر: لقد سخرت مني دوما..ومن حقي الآن الانتقام..
قال هشام بجدية: بصراحة يا فرح..أنا..أنا..
قالت فرح مستحثة هشام على الحديث: أنت ماذا؟..
قال وهو يشيح بوجهه: بصراحة..انا أحب وعد..
وعاد ليلتفت لها ليعرف ردة فعلها على ما قاله..ووجدها تقول مصطنعة اللامبالاة: حسنا..هذا خبر قديم..هل لديك شيء جديد؟..
تطلع اليها هشام وقال: أنا لا أمزح..أنا احبها وأتمناها زوجة لي..فما رأيك؟..
قالت فرح مبتسمة: ان اردت رأيي وعد فتاة رائعة..يتمناها أي شاب..
قال هشام وهو يزدرد لعابه: أعلم ولكن ليس هذا هو بيت القصيد..أريد ان أعلم هل يوجد شخص ما في حياتها؟..
قالت فرح وهي تهز كتفيها: بصراحة لا أعلم..ولكن أشياء كهذه لا أظن أنها تفكر بها في الوقت الحالي..
قال هشام باهتمام: متأكدة؟..
أومأت فرح برأسها بهدوء..فصمت هشام وهو يفكر..هذا يعني انها لا تهتم لأمره هو كذلك..هو ليس فارس الأحلام الذي تفكر فيه..ولكن من يدري ربما وعد لا تتحدث عن هذه الأمور امام فرح..وربما تفضل اخفاء مشاعرها..يا ترى هل يمنح نفسه أملا لا أساس له..ام انه يعيش نفسه في حلم قد يتحقق يوما ما..
وقال وهو يميل الى فرح: هل اطلب منك طلبا؟..
مطت فرح شفتيها وقالت: ماذا؟..
قال بابتسامة هادئة: هل تعرفين لي ان كانت تفكر في شاب ما ام لا؟..
قالت فرح باستنكار: هل جننت؟..تريدني ان اسألها ان كانت تفكر في ....
قاطعها قائلا: لم اقل اسأليها..بل قلت اعرفي لي..اي حاولي جرها في الحديث..او معرفة ما تخفيه..
- وما الذي ستستفيده؟..
- أريد ان اعرف ان كانت تفكر في شاب ما اولاً قبل ان...
صمت لفترة ومن ثم قال بحزم واصرار: قبل ان اعترف لها بمشاعري..
وابتسمت فرح بخوف ..فما تخفيه وعد بداخلها..قد يهد جبال الامل الذي يعيش عليها هشام الآن..
**********